الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب مرضي وإهمالي رسبت في الدراسة، فكيف أتجاوز ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالبة في كلية الطب، أدرس في ملحقة تابعة للكلية الأم، خلال هذا العام مررت بظروف صعبة من مرض، وضغط نفسي، ومع ذلك أعترف أنني قصرت وأهملت في دراستي، فكان ذلك سبب رسوبي، الآن أنا قريبة من المعدل، وربما أُنقَل إلى السنة الموالية بقرار من الكلية -ما يسمى عندنا بالإنقاذ-، لكن الكلية الأم التي لها نفس المعدلات لم تنقل بعض الطلبة الذين هم في وضعي.

فهل يجب عليّ أن أعترف لوالديّ بأن سبب رسوبي هو الإهمال والتقصير، أم يكفي أن أقول لهم بأن العام كان صعباً؟ ما الحكم الشرعي في انتقالي إلى السنة الموالية بالإنقاذ، هل فيه حرج شرعاً؟ إذا أصلحت من نفسي واجتهدت في العام المقبل بجدية، هل يغفر الله لي ما مضى من تقصير؟ أشعر أنني خذلت ثقة والديّ وإخوتي، وأني سببت لهم الخيبة، كيف أتعامل مع هذا الشعور؟ هل وصمة الرسوب أو الانتقال بالإنقاذ تبقى تلازمني دائماً، أم يمكن تجاوزها مع الاجتهاد والنجاح لاحقاً؟

أرجو منكم نصيحة شرعية ونفسية؛ تساعدني على أن أبدأ من جديد براحة واطمئنان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ابنتنا الكريمة: نرحب بك في موقعك إسلام ويب، ونشكر لك ثقتك وتواصلك، ونسأل الله أن يوفقك، ويشرح صدرك، ويعينك على تجاوز هذه المرحلة.

بداية: يجب التوضيح بأنه من الطبيعي أن يمر بعض الطلاب الجامعيين أحيانًا بتعثر دراسي، أو بضغوط نفسية تؤثر على أدائهم، وهذا لا يعني نهاية الطريق ولا يحدد قيمتك أو قدراتك، بل هو موقف عارض يمكن تجاوزه بالصبر والإصرار.

وفيما يخص علاقتك بوالديك، فالأفضل أن تشرحي لهم أن ظروفك الصحية والنفسية كان لها أثر سلبي خلال الفترة الماضية، وأنك قصرت بالفعل في جانب من مسؤولياتك، لكن بغير إفراط في جلد الذات، ولا تحميل نفسك ما يفقدك ثقتك، كما يمكنك الاستعانة بشخص قريب من العائلة وثقة؛ لتوضيح طبيعة الظروف السابقة، كما أن الاعتراف بقدر من التقصير مقرونًا بالعزم على التصحيح أدعى لأن يلمسوا جديتك، ويمنحهم الطمأنينة تجاه مستقبلك.

أما بخصوص الحكم الشرعي في مسألة الانتقال بقرار من الكلية وفق ما يسمى بالإنقاذ، فلا حرج فيه؛ لأنه نظام أكاديمي تضعه الجامعة، وتقره الجهات المسؤولة، فإذا سمح به النظام الرسمي فلا إثم عليك، ولا يقدح في ذمتك الشرعية.

واعلمي أن باب التوبة مفتوح، وأن الله يغفر الذنوب جميعًا، وما كان من تفريط أو إهمال فإن عزمك على الجد والاجتهاد في العام المقبل كفيل بأن يبدل صفحتك بيضاء، قال الله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، فاعملي على استثمار هذا الشعور ليكون دافعًا للتصحيح، ولا تجعليه مصدر إحباط أو ضعف.

أما إحساسك بأنك خذلت ثقة والديك، فهو مفهوم، لكنه لا يعني أن ثقتهم قد ضاعت منك للأبد، بل إن نجاحك المقبل واجتهادك؛ سيكونان خير ما يصحح هذه الصورة الذهنية عنك، ويعيد إليك وإليهم الفخر بك، والرسوب أو الانتقال لا يشكل وصمة دائمة، بل هو مرحلة قابلة للنسيان والتجاوز ما دمتِ تثابرين وتحققين نجاحًا ثابتًا بعد ذلك، وكثير من المتميزين مروا بمثل هذه التجارب، ثم صنعوا إنجازات عظيمة.

اجعلي من هذه التجربة فرصة لتعلم إدارة وقتك، وتنظيم أولوياتك، فالعلاج النفسي لهذا الضغط يبدأ بوعي أن الأمر ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة مع مزيد من الانضباط.

وحاولي تعزيز حياتك الاجتماعية بقدر من الدعم الأسري والصداقة الصالحة، ومارسي أنشطة تخفف الضغط، مثل الرياضة والقراءة النافعة، وتذكري أن النجاح الحقيقي ليس في ألا نتعثر، وإنما في أن نقوم بعد التعثر أقوى وأكثر وعيًا.

استعيني بالله، وأكثري من الدعاء، واعملي بجد، وستجدين أن هذه المرحلة ستصبح مجرد ذكرى عابرة في مسارك الطويل، بل ودافعًا لمستقبل أفضل.

نسأل الله أن يوفقك، ويجعل ما مضى كفارة لك، وما هو آتٍ فتحًا وخيرًا عليك وعلى أسرتك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً