الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صديقتي دعت بالموت على نفسها وتخشى أن يتحقق دعاؤها!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي صديقة، دعت يوم عرفة أن يرزقها الله تخصصًا محددًا في الماجستير، بوقت محدد وتفاصيل محددة، وأن تموت بعد أن تأخذ الماجستير مباشرة، وقد تحقق دعاؤها بالحرف، لذلك هي تباطأت بمناقشة رسالتها، حتى أخرتها أكثر من سنة، وكانت ولا تزال تعاني من خوف شديد من أن تموت، ولديها نوبات هلع.

أخبرتها أن تندم وتتوب وتستغفر، وتدعو الله في يوم عرفة أن يغفر لها ويبارك في عمرها، والآن بقي أسبوع على مناقشتها، وهي لا تزال تعاني وتقول: إنها غير مستعدة للموت.

أرجو منكم نصيحة أنقلها لها بخصوص وضعها، وشرحاً للدعاء وارتباطه بقدر الله وقضائه.

جزاكم الله خيرًا وبارك بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بكِ -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لكِ تواصلكِ بالموقع، كما نشكر لكِ حرصكِ على منفعة صديقتك، ونسأل الله أن يجزيكِ عنها خيرًا، وأن يُقدّر لنا ولكم جميعًا الخير حيث كان ويرضّينا به.

الدعاء -أيتها البنت الكريمة- من الأسباب التي جعلها الله تعالى مُوصِلة إلى نتائجها وثمارها، وقد دلَّ على هذا أحاديث كثيرة، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي المشهور: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ»، اطلبوا مني الهداية أهدِكم، وكذلك قال: «كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ».

فالدعاء سبب، ولكنَّ الله تعالى قد قدَّر المقادير وفرغ من كتابتها، فقد قال النبي ﷺ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ».

فنحن مُتعبَّدُون؛ مطلوب مِنَّا أن ندعو الله تعالى، ولكننا في الوقت ذاته نعلم أن الله -سبحانه وتعالى- قد كتب ما سيكون وما سيقع، فنسأل ربَّنا ما ينبغي أن نسأله من الخيرات والمنافع ودفع الشرور والمصائب، ثم نفوض الأمور إلى الله تعالى.

وبخصوص العمر والأجل، فنحب أن نطمئن هذه الأخت الكريمة والبنت العزيزة، نطمئنها بأن دعوتها هذه لن تُؤثِّر في عمرها؛ فإن الله قد كتب العمر قبل أن تُخلق هذه المرأة، وقبل أن تدعو بدعائها، ولذلك قال الرسول ﷺ لزوجته أم حبيبة حين دعت بطول عمر النبي ﷺ زوجها، وبطول عمر أبيها أبي سفيان وأخيها معاوية، فقالت: «اللهم مَتعني بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ»، فقال لها النبي ﷺ: «قَدْ سَأَلْتِ اللهَ بِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ».

قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في شرحه لهذا الحديث: "هذا الحديث صريحٌ بأنَّ الآجال والأرزاق مُقدَّرة، لا تتغير عمَّا قدَّره الله تعالى وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقةً عن ذلك".

فينبغي إذًا أن تهدأ هذه الأخت، ويطمئن قلبها إلى أن هذه الدعوة لن تُؤثِّر في تقصير عمرها أو في إطالته؛ فإن عمرها مكتوب، ولكن يحصل التغيُّر بالنسبة للعمر في صحائف الملائكة، فالله تعالى قد علم ما يفعله هذا الإنسان؛ فيُوحي الله تعالى إلى الملائكة أنه إذا عمل عبدي كذا فاكتبوا عمره كذا، وإذا عمل كذا فاكتبوا عمره كذا، ولكنه يعلم -سبحانه وتعالى - أن هذا العبد سيعمل الشيء الفلاني أو لن يعمله.

فإذًا: قَدَرُ الله تعالى السّابق المكتوب في اللوح المحفوظ لا يمكن أن يتغيّر؛ الآجال معلومة كما قال النبي ﷺ: «مَضْرُوبة مُقَدَّرة، لَا تَزِيدُ وَلَا تنْقُص» فينبغي لهذه الأخت أن تُريح قلبها من هذا كله، وأن تحرص على ما ينفعها في هذه الحياة، فالموت قريبٌ من كل واحدٍ مِنَّا؛ وينبغي الاستعداد له، وأن ننتظره في صباحنا ومسائنا، وينبغي أن نكون جميعًا على تلك الحال، كما قال الرسول ﷺ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيب، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وكان الصحابي يقول: «إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ».

فالاستعداد للموت مطلوب، ولكن لا ينبغي أن يكون الاستعداد للموت وتذكُّره سببًا للهلع والمرض، وتقييد الحركة، واليأس من رحمة الله، وعدم الإنجاز، بل التذكُّر للموت يكون مطلوبًا محبوبًا إذا كان محفزًا على الازدياد من العمل الصالح.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً