الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اضطراب الأنية أثر على دراستي، كيف أتخلص منه؟

السؤال

أنا تلميذة مقبلة على امتحانات، وبعد بحث طويل على الإنترنت، اكتشفت أنني أعاني من اضطراب الأنية، منذ 8 أو 9 سنوات، أشعر بأنني غريبة عن نفسي، لا أعرف من أنا، وأنظر إلى يدي وكأنني لا أعلم هل هي يدي فعلاً أم لا!

في الفترة الأخيرة، ازداد الأمر سوءًا، فقد أصبت بالاكتئاب، خاصةً أنني أدرس بعيدًا عن عائلتي، بدأت أطرح أسئلة وجودية، مثل: لماذا نضع الطعام في أفواهنا وليس في أنوفنا؟ أو لماذا خُلق الإنسان بهذه الهيئة وليس بهيئة أخرى؟ وقد سبّبت لي هذه الأسئلة نوعًا من التخوف على ديني تقريبًا.

لكن الاغتراب عن النفس لا يزال حاضرًا، وهذا الأمر يقلقني ويشعرني برغبة في الموت، علمًا أنني مقبلة على امتحانات، وأنا حائرة: هل ما أعانيه فعلاً هو اضطراب الأنية، أم أنه سحر أو عين؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هداية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولًا: يبدو من استشارتك أنّك تعانين من إحساس بالاغتراب، أو الشعور بأنكِ غريبة عن نفسك، وهذا الإحساس قد يظهر أحيانًا في حالات القلق الشديد، أو في حالات الاكتئاب، وما يُسمى باضطراب الأنية (Depersonalization) الذي بحثت عنه في الإنترنت، وقد لا يكون هو السبب الوحيد لحالتك.

عمومًا من خلال ما ذكرتِ: هذا الإحساس صاحبك منذ ثمانية أو تسعة أعوام، أي منذ عمرٍ مبكر (من عمر سبع أو ثمان سنوات)، ففي مثل هذه الحالات في الطفولة كثيرًا ما تحدث تقلبات في التفكير، والتقلبات في الإحاسيس، والتقلبات في المزاج، ويحتاج الإنسان حينها إلى دعم قوي ممن حوله ومن أسرته وعائلته.

كما ذكرتِ في رسالتك أنّك تدرسين بعيدًا عن أهلك، وربما كان في ذلك زيادة في الضغط النفسي، خصوصًا في مثل هذا العمر، مع إحساسك بأهمية الامتحانات ورغبتك في التفوق، فربما يكون هذا أيضًا من الأمور التي تزيد من الإحساس بالقلق، والإحساس بالضيقة وأعراض الاكتئاب كما أشرتِ.

وذكرتِ أيضًا أنّك تطرحين على نفسك أحيانًا أسئلة وجودية، مثل التي ذكرتها، هذا أيضًا بدوره يظهر في فترات الضغط النفسي، وخاصة في مثل لحظات هذا الخوف الشديد أو القلق الزائد، وكل هذه الأمور تأتي متشابكة مع بعضها البعض.

ولكن من المهم جدًّا في مثل حالتك هو: أن يتم عمل مقابلة مباشرة مع أحد الأطباء النفسيين؛ حتى يقوم بالتشخيص المناسب لحالتك، والإنترنت وحده لن يكون كافيًا لعمل التقييم الصحيح، أو الإجابات الكافية؛ وبالتالي تتداخل مثل هذه الأعراض التي تشتكين منها، خصوصًا ما ذكرتِه من أفكار حول الحياة والوجود والموت، أو الرغبة في الموت، فإن هذا يجعل مراجعة الطبيب النفسي أمرًا في غاية الأهمية، حتى يُقيّم حالتك، ويفيدك الفائدة الأساسية، ويضع التشخيص المناسب، ومن ثم يحدّد الخطة العلاجية الأنسب، وتحديد أنواع العلاجات المختلفة.

طبعًا نحن لا ننكر من الناحية الدينية وجود السحر أو العين، ولكن الأعراض التي ذكرتِها تبدو أقرب لاضطرابات القلق والاكتئاب، رغم أنّك لم توضّحي تمامًا ما تعنين بكلمة "اكتئاب"، ولكن وجود ما ذكرتِه يكفي لأن نقول إن تقييم الطبيب النفسي ضروري، حتى تُوضَع الخطة العلاجية المناسبة، ولا يمنع هذا من استخدام الرقية الشرعية؛ ففيها خير عظيم، وهي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أحب أن أطمئنك أنّ هذه الأعراض يمكن التحكم فيها وعلاجها علاجاً كافياً شافيًا، مثلها مثل أي عرض من الأمراض العضوية الأخرى، وبالتالي يمكنك الاستمرار في دراستك والتفوق، واجتياز الامتحانات بصورة جيدة، وتحقيق ما تصبين إليه من نتائج.

ولكن من المهم في هذه الفترة أن تعملي على بعض الأمور، التي تساعدك على التخلص من القلق، حتى قبل مقابلة الطبيب، ومنها على سبيل المثال:

1. تنظيم الوقت، ومحاولة شغل نفسك بالدراسة، بدلًا من الانشغال بهذه الأعراض والأفكار.
2. المحافظة على الدين، كما ذكرتِ أنك تفعلين، فهو من أعظم وسائل تقوية النفس والروح وتزكيتها، ويُعين على التخلص من الأفكار السلبية.
3. ممارسة تمارين الاسترخاء، واستخدام الوسائل الدينية التي تقوّي النفس، ومنها الالتزام بالصلاة في أوقاتها، وقراءة القرآن، والأذكار، التي تُساعد على تهدئة النفس والتخفيف من مثل هذه الأفكار السلبية والقلق؛ فقد قال سبحانه وتعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وقال سبحانه: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).

أسأل الله - سبحانه وتعالى لكِ - التوفيق في مستقبل أيامك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً