الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي لا يقدر ظروفي الصحية ويعاملني بقسوة، فماذا أعمل؟

السؤال

السلام عليكم.

عندما جاء زوجي لخطبتي، أصررت من البداية على أخي أن يخبره بأن لدي التهابًا في المفاصل، ولدي ظروفًا صحيةً تعوقني عن عمل أي مجهود حتى في أعمال المنزل، فوافق، وأخذته معي إلى الطبيب لكي يسمع منه تفاصيل حالتي، ولكنه بعد الزواج كان يعيرني بأنه متحمل لمرضي، على الرغم من أنه كان هو المخطئ حينها، فبكيت كثيرًا، ولم أستطع نسيان كلمته حتى بعد أن تصالحنا.

لقد تغير كثيرًا، وأصبح يطلب مني أن أخدم والدته، وهو يعلم بأني لا أستطيع، ويقول لي كلامًا قاسيًا، ولا يعجبه أن أكون مستقلةً في بيتي، ودائمًا ما يقارنني بزوجة صديقه، وكيف أنها تخدم حماتها، أو يقارنني بأختي، ويقلل دائمًا من شأني، ومهما قلت له بأن ذلك يؤلمني، فإنه لا يعتذر، ولا يرى أنه مخطئ أصلاً.

في حملي الأول علمت بأن لدي ثقبًا في القلب، ولم أكن أعلم بذلك من قبل، وقد مررت بوقت صعب، حتى حصول الولادة -بفضل الله-، ثم احتجت بعد ذلك لإجراء عملية في القلب؛ ولأن ظروفنا لا تسمح، فقد انتظرنا دورنا في المستشفى الحكومي، على الرغم من تنبيه الأطباء بخطورة الحالة، ولكنه كان يدخر المال من أجل تزويج أخته الصغرى؛ فهو الأخ الأكبر، ووالده متوفى، ولكنه لم يكترث لحالتي، وتمت الزيجة، ولا زلت حتى الآن أنتظر دوري في المستشفى.

مهما صبرت فأنا المخطئة، رغم أنه لا يفعل أي شيء سوى أنه يعمل، ويعطيني مصروفي، ويقول لي: أنت لا ينقصك شيء، ويكفي أن أهلي لا يطلبون منك أن تفعلي شيئًا، مع أنهم على علم بحالتي الصحية منذ البداية.

لقد تعبت من كثرة هذه الكلمات، وقلة التقدير، والتقليل من شأني، كما أنه لا يهتم بأمر ابنته كثيرًا، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ........ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختنا الكريمة: نرى أنك تمرين بتجربة صعبة ومعقدة تتعلق بصحتك، وعلاقتك بزوجك، وما ذكرته من محاولاتك المستمرة للتواصل والتفاهم مع زوجك يعكس جهدًا كبيرًا، وصبرًا بالغًا منك.

من الواضح أن التحديات التي تواجهينها متعلقة بعدم التقدير والاحترام اللازمين من زوجك، بالإضافة إلى قلة تعاطفه مع حالتك الصحية، هذه المشاعر والتجارب قد تؤثر بشكل كبير على صحتك النفسية والجسدية، خاصةً وأنك تعانين من ظروف صحية حرجة.

نصائح عملية للتعامل مع الوضع:

- حاولي أن تجلسي مع زوجك في وقت هادئ، وأن توضحي له مرةً أخرى حجم الألم الجسدي والنفسي الذي تشعرين به نتيجة تصرفاته، اجعليه يفهم أنك بحاجة إلى دعمه وتقديره، وليس فقط إلى الدعم المالي.

- إذا كان بالإمكان، قد يكون من المفيد اللجوء إلى مستشار أو معالج نفسي متخصص في العلاقات الزوجية؛ فوجود شخص ثالث محايد يمكن أن يساعد في تحسين فهم كل منكما للآخر.

- استمري في الدعاء والتوكل على الله، يقول الله تعالى في سورة البقرة: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" (سورة البقرة، آية 45)، تأملي في هذه الآية، واستعيني بالصبر والصلاة لتخفيف ما تمرين به.

- قد يكون من المفيد أن تستشيري أحد أفراد العائلة، أو من يوضح له الوضع من منظور آخر.

- لا تهملي صحتك مهما كانت الظروف، وتذكري أن سلامتك الجسدية والنفسية هي أولوياتك، فإذا شعرت أن الضغط النفسي يزداد، فقد تحتاجين إلى التحدث مع طبيبك حول أفضل السبل لإدارة حالتك.

- إذا استمرت هذه المعاملة القاسية، ولم يتحسن الوضع بعد كل محاولاتك، فقد تحتاجين إلى إعادة تقييم علاقتك، وفحص الخيارات المتاحة أمامك بناءً على تقدير وضعك وظروفك.

- تذكري أن الزواج في الإسلام مبني على المودة والرحمة، كما جاء في قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (سورة الروم، آية 21). إذا لم تكن هذه المودة والرحمة موجودة، فيجب العمل على استعادتها، وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فلا بد من التفكير في كيفية التعامل مع الوضع بما يحقق لك الطمأنينة والسكينة.

- اجعلي علاقتك بالله مصدر قوتك؛ فالصلاة والدعاء -خاصةً في أوقات الاستجابة مثل الثلث الأخير من الليل- يمكن أن تمنحك القوة والسكينة، قال الله تعالى: "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (سورة الشرح، آية 6)، فكلما اشتد العسر، تذكري أن اليسر قريب -بإذن الله-.

- حاولي أن تتعلمي من تجارب نساء أخريات مررن بتجارب مشابهة؛ فقد تجدين في قصصهن ودروسهن ما يلهمك ويساعدك على إيجاد حلول جديدة لموقفك.

- استثمري وقتك في تعلم مهارات جديدة، أو تطوير نفسك في مجالات تهتمين بها؛ فهذا قد يمنحك شعورًا بالإنجاز والرضا الداخلي؛ مما يزيد من ثقتك بنفسك، ويقلل من تأثير النقد السلبي.

- كوني واضحةً مع زوجك بشأن ما يمكنك تحمله وما لا يمكنك تحمله؛ فقد تكون بعض المواقف تتطلب منك أن تكوني حازمةً في رفض طلبات أو مواقف غير عادلة، حتى لو كان ذلك صعبًا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجه. هذه القاعدة الفقهية تذكرنا بأهمية عدم السماح للآخرين بإلحاق الضرر بنا.

- اعملي على تحقيق توازن بين حقوقك وواجباتك؛ فالزواج علاقة شراكة، ويجب أن يكون هناك احترام متبادل، فإذا شعرت أن العلاقة تميل إلى كفة واحدة، فحاولي إعادة التوازن من خلال التفاهم والحوار.

- إذا كان هناك إمكانيات فقد يساعدك الحصول على دعم من معالج نفسي؛ ليساعدك على إدارة مشاعرك، والتعامل مع التحديات النفسية التي تواجهينها بسبب هذه العلاقة.

- إذا اخترت الاستمرار في هذه العلاقة رغم الصعوبات، فاحتسبي ذلك عند الله، واعلمي أن الأجر على قدر المشقة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" رواه مسلم.

تذكري أن هذه النصائح تتطلب وقتًا وتدرجًا في التطبيق، وأهم شيء هو أن تكوني لطيفةً مع نفسك، وألا تضغطي عليها أكثر مما تحتمل.

نسأل الله أن يفرج همك، ويهدي زوجك لما فيه الخير لكم ولأسرتكم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً