الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد إرجاع زوجتي التائبة وأهلي يصرون على الطلاق!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوج منذ سنة، وكانت زوجتي مُقصِّرة في بعض الأمور الزوجية، ونشبت بيننا مشاكل، وكان أهلي وأهلها يُصلحون ذات بيننا، وفي يوم من الأيام اكتشفت أنها تُحادث أشخاصًا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فغضبت غضبًا شديدًا، ولم أضربها، لكني ذهبت إلى والدها وأخبرته أن ابنته تخونني، وأنني لم أعد أريدها، فجاء معي والدها إلى منزلي وأخذها معه.

وقد أخبرتُ أهلها أننا سننهي الزواج في المحكمة، لكن أباها طلب مني أن أصبر أسبوعًا على الأقل، ومن محبتي له وافقت، وبعد أسبوع ذهبت إلى بيت عمي لنتفق على إجراءات الطلاق، لكن أهلها طلبوا مني أن أسامحها، ثم جاءت زوجتي تُقبِّل يدي وقدميَّ وتقول إنها تابت، ولن تعود لما فعلتْ، وإنها لا تريد شيئًا سوى ألَّا أُطلقها، وأن تعود معي إلى المنزل، لكني لم أقبل، حتى إنها أحضرت كتاب الله وأقسمت عليه أنها تابت، وأنها ستعوضني عن كل ما فات، وأنها ستكون زوجة صالحة، وقد رقَّ قلبي وصدقتها، لكني لم أوافق، ووعدتها بأني سأفكر.

مرت الأيام وكنت أدعو الله في كل يوم، وصليتُ استخارة، حتى أصبحت أراها في كل أوقاتي، في تفكيري، وفي كل لحظاتي وحتى في أحلامي، وذهبت إلى أهلي وأخبرتهم أني سامحتها.

كان والدي مُعارضًا، لكنه في النهاية أخبرني أنه قد نصحني وأعطاني رأيه، وأن القرار النهائي بيدي لكونها حياتي، وكان رأي أمي كذلك، لكن رأي إخوتي كان متشددًا جدًّا، فمنهم من سيَنْسى أن له أخًا، ومنهم من سيُقاطعني، لدرجة أنهم أقنعوا والدي ووالدتي بعدم قبول إرجاعي زوجتي، وهم الآن يُجبرونني على الطلاق، وأنا سامحت زوجتي لوجه الله؛ لأنها تابت توبة نصوحًا، والله يقبل التوبة من عباده، وأنا قبلت زوجتي التائبة، لكن أهلي يُصرون على الطلاق.

أتمنى سرعة الإجابة، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Othman حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، والحرص على السؤال، وبشرى لك بأجري العفو والإصلاح: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].

ونحن نتمنَّى أن تستمر في هذا الخير الذي عزمت عليه، وتُعطي زوجتك فرصة، واعلم أن رسالتنا في هذه الحياة هي أن ندعو إلى الله ونسعى في الإصلاح، ونبشرك بقول النبي ﷺ: (لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا -طبعًا أو امرأة- خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)، فكيف إذا كانت التي تريد أن تصلحها هي الزوجة! نسال الله أن يردها إلى الحق والخير والصواب ردًا جميلًا.

أما الوالد والوالدة والإخوان؛ فأرجو أن تسعى في القُرب منهم، تقوم بما عليك، ونسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه الصعاب.

أنت في كل الأحوال صاحب القرار، والعفو والستر هو المفضّل من الناحية الشرعية، وإذا كنت قد عفوت عنها فلا ترجع عن عفوك، واعطها هذه الفرصة، واعلم أن كثيرًا من الناس يكون مثل هذا الخطأ سببًا في صلاحهم، بل في ديمومة صلاحهم، والنجاح في حياتهم، وهذه فرصة أعتقد أن الزوجة ستكون وفيّة فيها، وفي كل الأحوال الأمر متاح، وستتبيّن لك مع الأيام درجات الصدق والخير التي وصلت إليها، وهذا ما نرجوه، فاجعل نفسك سببًا للخير، ونسأل الله أن يهدينا وأن ييسّر الهدى علينا، وأن يجعلنا سببًا لمن اهتدى.

وأخبر أسرتك أنك تواصلت مع موقع شرعي، وأنهم يُشجعون الستر والنصح والاستمرار وإعطاء فرصة، ونسأل الله أن يُعينكم على الخير.

وعلينا أن نتذكّر أن هذا الذي حدث خطأ، لكن مجرد التواصل بهذه الوسائل، نحن لا نُؤيّد ذلك بلا شك، والشرع لا يقبل به، لكن بعض الشر أهون من بعض، فلذلك لا ترجع عن الخير الذي عزمت فيه، وأكمل مشوارك مع هذه الزوجة، وكن على ثقة أن أمر الوالد والوالدة والإخوان سوف يتغيّر مع الأيام، وشجعها على طاعة الله تبارك وتعالى وعلى تحسين مظهرها وحياتها، ونسأل الله أن يجمع بينكما على الخير، وأن يُؤلّف القلوب، وأن يغفر الزلّات والذنوب.

واعلم أن الإنسان ينبغي أن ينظر في قراره إلى كافة الأبعاد، واستبشر بقول النبي ﷺ: (مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ).

نسأل الله أن يستر علينا جميعًا، وأن يردَّ الشاردين من أبنائنا وبناتنا إلى الحق والخير والصواب، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً