
بدأ العلماء الإندونيسيون عملية ترجمة معاني القرآن الكريم منذ وقت مبكر، ويأتي في طليعة ما تم ترجمته على يد أحد كبار العلماء في ولاية آتشي دار السلام، المعروف بـ (جناح مكة) الشيخ عبد الرؤوف الفنصوري سنكل المتوفى سنة (1693م)، الملقب بـ (ترجمان المستفيد) حيث قام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الملايوية، في منتصف القرن السابع عشر الميلادي. ويُعدُّ صاحب هذه الترجمة أول من فتح باب ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الإندونيسية، فهو صاحب الفضل في فتح هذا الباب، ما دفع كثيراً من العلماء فيما بعد إلى الاقتضاء به في هذا العمل الجليل رغبة منهم في تبليغ معاني القرآن الكريم وإرسال هدايته إلى أهل إندونيسيا.
وفي بداية القرن الـرابع عشر الهجري ظهرت ترجمة جديدة ومتميزة لمعاني القرآن الكريم، قام بها الشيخ محمد نووي البنتاني سماها (مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد) وكان قد انتهى من عمله سنة (1305ه).
أما الترجمات المتأخرة والمعاصرة والمتداولة حالياً في الأسواق الإندونيسية فهي وفق التالي:
* ترجمة الشيخ محمد صالح دارت، سمَّاها (فيض الرحمن) والمؤلف يعتبر الرائد الأول لتفسير القرآن الكريم باللغة الجاوية بالخط العربي (Pegong) وقد صدرت هذه الترجمة سنة (1310ه).
* ترجمة الأستاذ منور خليل، وسمَّاها (القرآن هداية الرحمن).
* ترجمة الشيخ أحمد حسن باندونج (1928م) وسمَّها (الفرقان)، وكان اهتمامه الأساس متجهاً إلى مسائل الأحكام إلى جانب بيان معنى الآية.
* ترجمة الشيخ محمود يونس صدرت (1935م) وسمَّاها (ترجمة القرآن).
* ترجمة الشيخ حسبي الصديقي (1956م) وكان أكثر اهتمامه منصباً على بيان المعاني المختلفة للآيات القرآنية، وتفسير آية بآية أخرى.
* ترجمة الشيخين: الحاج زين الدين حميدي، وفخر الدين. هـ، سنة (1959م) ظهرت تحت اسم (القرآن الكريم وترجمة معانيه باللغة الإندونيسية الواضحة).
* ترجمة الشيخ الحاج بصري مصطفي (1960م) وسمَّاها (الإبريز لمعرفة القرآن).
* ترجمة الشيخ بختيار سورين، سمَّاها (ترجمة وتفسير القرآن).
* ترجمة الشيخ الحاج عبد المعين يوسف، سمَّاها (تفسير القرآن الكريم)، وهو تفسير وترجمة معاني القرآن الكريم باللغة البوقيسية، وهي إحدى اللغات المـُتَكَلَّم بها في إندونيسيا.
ويمكن القول عموماً: إن ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الإندونيسية مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: تمتد من بدايات القرن العشرين إلى أوائل الستينات منه، وقد تجلت هذه المرحلة بظهور عدد من العلماء الإندونيسيين، الذين كتبوا في تفسير القرآن الكريم وعلومه وتاريخه؛ ومن العلماء البارزين في هذه المرحلة الحاج عبد الملك كريم الله (Hamka) وهو من الشخصيات البارزة في إندونيسيا، ويعتبر من القادة المسلمين الإندونيسيين البارزين في أواخر السبعينات. ومن علماء هذه المرحلة أيضاً: أبو بكر أنجيه، وأحمد حسن، وحسبي الصديقي، ومحمود يونس. ومن سمات هذه المرحلة أنها اتخذت منحى الترجمة الجزئية لبعض سور القرآن والترجمة الموضوعية لبعض موضوعاته.
أما المرحلة الثانية فبدأت في منتصف الستينات من القرن العشرين، وتعتبر هذه المرحلة تكميلية للمرحلة الأولى، حيث أُضيفت للترجمات بعض الهوامش المتضمنة لبعض البيانات المتعلقة بالقرآن الكريم، ومن أهم الترجمات في هذه المرحلة ترجمة الشيخ أحمد حسن، والتي أطلق عليها اسم (الفرقان) وأيضاً ترجمة الشيخ حمدي سمَّاها (تفسير القرآن) وترجمة للشيخ محمود يونس سمَّاها (تفسير القرآن الكريم).
وبدأت المرحلة الثالثة مع مطلع السبعينات، ومن أبرز الترجمات في هذه المرحلة ترجمة الشيخ حسبي الصديقي، وقد سمَّى ترجمته (تفسير البيان) وترجمة الشيخ حليم حسن، وسمَّاها (تفسير القرآن الكريم) وترجمة حامكا وسمَّاها (تفسير الأزهر) وتعتبر هذه الترجمة الأخيرة من أحدث الترجمات وأكثرها إقبالاً في المجتمع الإندونيسي؛ لما فيها من الربط الوثيق بين بيان معاني الآيات والمشكلات الاجتماعية المعاصرة، ومحاولة صاحبها تنقية ترجمته من الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة الموجودة في بعض التفاسير المنتشرة.
وتُعد ترجمات هذه المرحلة ضبطاً وتكميلاً وتحسيناً للمرحلتين الأولى والثانية.
ومما هو جدير بالذكر أنه ابتداء من سنة (1967م) بدأت عملية ترجمة القرآن الكريم تتم تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية بالجمهورية الإندونيسية.
ويُلاحظ في هذا السياق أن الترجمات الإندونيسية لمعاني القرآن الكريم اتخذت منحيين: المنحى الأول: الترجمة الحرفية لمعاني القرآن الكريم، وهذا النوع من الترجمة كما هو معلوم لا يستوعب دلالات الألفاظ القرآنية المطلوبة. وتعدُّ الترجمة التي صدرت تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية بالجمهورية الإندونيسية المثل الأبرز لهذا النوع من الترجمات.
الثاني: الترجمة التفسيرية: هذا النوع من الترجمات عادة ما يأتي بالآراء المختلفة للمفسرين بحسب اتجاهات التفاسير ومنهاج المفسرين، ما يشكل عقبة في وجه المترجم. وتُعدُّ ترجمة الشيخ محمد طالب المثال الأبرز لهذا النوع من الترجمات التفسيرية، والشيخ محمد طالب أمير مجلس المجاهدين، وتُعتبر ترجمته نقداً لترجمة القرآن الحرفية الرسمية التي أشرفت عليها وزارة الشؤون الدينية بالجمهورية الإندونيسية، وقد سعى من خلال ترجمته إلى نزع شرعية الخطاب الديني الرسمي للدولة، وإلى أن تُصبح ترجمته (القرآن ترجمة تفسيرية) خطاباً دينيًّا بديلاً موجِّهاً للرأي العام، وأن يُعتبر الخطاب الصحيح للدعوة الإسلامية.
وعلى الجملة، فإن حركة ترجمة معاني القرآن الكريم في إندونيسيا تعتبر حركة إيجابية، تطور نفسها بنفسها، وتتجلى هذه الإيجابية بوجود كثير من المصاحف المترجمة في المكتبات في إندونيسيا، تباع أو توزع مجاناً.