الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن وجود الجن حقيقة واقعة أعلمنا الله بها، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56}.
وأخبر تعالى عنهم أنهم يرون بني آدم من حيث لا يراهم بنو آدم. قال تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ {الأعراف: 27}.
وهذا حق يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها، وليس في الآية أنهم لا يراهم أحد من الإنس بحال، بل قد يراهم كثير من الإنس، لكن لا يرونهم في كل حال من أحوال الجن، فقد يتشكل لهم الجن بأشكال مختلفة، وصور متنوعة، كما ذكرت السائلة.
ولا يشترط في من يرى الجن أن يكون صالحاً، فقد يكون كذلك، وقد لا يكون، كما نعلم أن الجن طرائق قدداً، منهم الصالح، ومنهم الكافر، ومنهم الفاجر، ومنهم الداعية إلى الله، ومنهم العالم، كما بين الله -سبحانه وتعالى-، حيث يقول على لسانهم: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا {الجن: 11}.
وقال أيضاً على ألسنتهم: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا {الجن:14، 15}.
وقال سبحانه: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ {الأحقاف: 29}.
وقد بين الله -سبحانه وتعالى- أن الشياطين يكيدون لابن آدم، ولكن كيدهم ضعيف قال تعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {النساء: 76}.
وقد ذكرت -أيها السائل الكريم- أنك قرأت سورة البقرة في البيت، فلم تر ابنتك شيئاً ثلاثة أيام، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
وفي صحيح ابن حبان البستي عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام.
وقد يكون في البيت أسباب أخرى تجلب الشياطين، وتمنع الملائكة، وذلك كأنواع الصور المحرمة، وآلات اللهو، التي قد يساء استخدامها، فإنها تورث الغفلة، وتجلب الشياطين.
والذي يظهر أن أولادك مصابون بالمس، وعلاجه هو ما تقوم به من رقية شرعية، فاستمر عليها، ولا تقطعها حتى ينقطع دابر الشيطان من بيتك.
وعليك برقية أولادك، وتعويذهم صباحاً ومساء، ولو علمتهم بعض الأذكار لكان خيراً، ولو ذهبت إلى أحد الشيوخ المعروف عنهم الالتزام بالسنة، فيقوم بالقراءة لك، والرقية الشرعية كان خيراً أيضاً.
والله أعلم.