الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أصبر عليها بسبب مرضها النفسي؟ أم أطلقها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.

تزوجتُ منذ عدة أشهر، من فتاة كنت أعلم أنها مصابة بالاكتئاب، وتتعالج منه عن طريق جلسات إرشادية ودوائية، عند من نحسبهم من ذوي العلم والدين، وكان سبب زواجي لها أنها ذات خلق ودين، مع أنها قبلت الزواج دون أي إلحاح أو إجبار، وبدأت توسوس بالانفصال مباشرة بعد عقد القرآن، وتارة تقول: إنها متعبة، ولا تشعر بأي مشاعر تجاهي سوى ألم الضمير، وتارة تعتذر لي وتعدني بأنها ستتعامل مع هذه الشكوك، وهي تعلم أنها نفسية فقط، مع العلم أني لا أعاملها إلَّا بكل خير وإحسان، وذلك بشهادة أهلها وأقاربها وشهادتها هي نفسها، ولكنها دائمًا تذكّر نفسها أنني لست ذلك الزوج الذي حلمت به، ودائمًا تشعر بإحباط وبعد عاطفي، والآن بعد مرور شهرين من "الاستقرار البسيط"، سمعت من صديقتها أنها ستعزم على طلب الطلاق، وهي تعلم أنني لن أرفض طلبها إذا طلبت بإلحاح، وقلت لها: إن كان هذا ما تريدين، فلك ما أردتِ، فقالت: لا، ليس هذا ما أريد، فهل بهذا الكلام الذي قلته لها يكون قد وقع الطلاق؟

لقد تعبت من هذا الوضع الذي لا أستطيع فيه أن أنجب منها، أو أحظى ببعض السكينة في صدري، فإن كانت لازالت على ذمتي هل أكون قد ظلمتها إذا طلقتها، وهي تارة تقول "أريد" وتارة تقول "لا أريد" في وضعها النفسي هذا؟ هل تكون هي من اختارت الخلع، أم أكون قد طلقتها باختياري؟

مع العلم أنها تقرأ القرآن وتصلي، وتكثر الدعاء، وما يتعبني هو أنني لا أتحمل وجودي مع امرأة يصلني منها إحساس بأنها تعيش معي شفقة أو مرغمة.

أرجو إرشادكم ونصحكم، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أيها الابن الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال. ونحب أن نؤكد لك أنه ليس على المريض حرج، وتُشكر على صبرك على مرض هذه الفتاة المذكورة، وإذا كانت المسألة نفسية، فأرجو أيضًا أن يكون لك تواصل واستشارة مع الأطباء النفسيين، ومعرفة طبيعة المرض وعواقبه ومآلاته.

أحسنت بحرصك على صيانة البيت، وما حصل من كلام منها أو منك لا يُبنى عليه، ولا يُعتبر طلاقًا أو غيره، فالعلاقة الزوجية لا تزال مستمرة، ونسأل الله أن يُعينك على الصبر، وإذا كان الأمر كما أشرت -وهي رسميًّا تتعالج طبيًّا- فأرجو أن تحتمل ذلك، واحتسب أجرك وثوابك عند الله تبارك وتعالى، وشجّع ذهابها للعلاج وحرصها على الرقية الشرعية وتلاوة القرآن. ونسأل الله أن يُقدّر لك الخير ثم يُرضيك به.

قرار الطلاق هو قرار خاص بالرجل، لكننا نتمنَّى ألَّا تستعجل هذا الأمر، خاصةً وأنت تعرف أنها تمرُّ بظروف صحية، تحتاج مساعدتك، وتحتاج منك إلى مساندة ومؤازرة وصبر عليها، وأنت في كل الأحوال صاحب القرار، ونتمنَّى أيضًا أن يكون للعقلاء والفضلاء الذين حولكم دورٌ في تقييم هذا الوضع، أمَّا نحن فلا نميل إلى عدم الاستعجال بأمر الطلاق، ونؤكد أن ما حصل من كلام لا يُبنى عليه حكم شرعي، فهي لا تزال زوجة لك، ونسأل الله أن يُعينكم على الخير، وأن يُعينكم على الإكمال، وأن يكتب لها السلامة والعافية، والحياة لا تخلو من الجراح، ولا تخلو من المشكلات، هذه هي طبيعة الدنيا.

جُبلت على كدرٍ وأنت تُريدُها ... صفوًا من الأقذاء والأكدار
ومكلِّف الأيام فوق طباعها ... متطلـبٌ في الماء جذوة نارٍ

فنتمنّى ألَّا تستعجل في أمر الفراق، وتعطيها فرصة، وكما قلنا: من حقك أن تعرف طبيعة المرض وطبيعة الوساوس التي تتردد عليها، وهذا التردد أيضًا، وهذا سيفيدك به الطبيب المختص في الأمراض النفسية، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
____________________
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي المستشار التربوي والشرعي،
وتليها إجابة د. مأمون مبيض المستشار النفسي.
___________________

أخي الفاضل: في سؤالك جانبان: الجانب الأول هو الجانب الشرعي، وقد أجابك عليه فضيلة الدكتور الشيخ أحمد الفرجابي، ووضَّح لك قضية الطلاق والأجر العظيم إن صبرت على زوجتك، أما الجانب الثاني فهو الجانب النفسي، جانب الصحة النفسية.

أخي الفاضل: نسبة كبيرة من الناس تعاني من الاكتئاب، كما هو حال زوجتك، وأنت تعلم -كما ورد في سؤالك- أنها مصابة بالاكتئاب، وتتلقى جلسات العلاج الإرشادي والعلاج الدوائي، والاكتئاب لا يمنع الإنسان من أن يعيش حياةً طبيعية أو قريبةً من الطبيعية، فهناك الكثير من الأزواج والزوجات مصابون بالاكتئاب، إلا أنهم يُتابعون حياتهم الزوجية، ولكن هذا يتطلب منك أن تصبر عليها، طالما أنك تزوجتها لأسباب وجيهة، فقد ذكرت أنها ذات خُلق ودين، وأنها تقرأ القرآن وتُصلي وتُكثر الدعاء.

أخي الفاضل: احرص على أن تتابع علاجها النفسي، سواء الجلسات أو العلاج الدوائي، ويبدو أنكم تتابعون مع معالجين تثقون بهم، فهذا أمرٌ جيد. فأنا أشدُّ على يدك، وأضيف إلى ما قال فضيلة الشيخ أحمد الفرجابي بأن تصبر عليها، وتحاولان معًا أن تكونا أسرة سعيدة بإذن الله عز وجل. فعلاج الاكتئاب في هذه الأيام أصبح غير صعب، كما كان ربما في الماضي.

أخي الفاضل: يُفيد هنا (وأذكِّرك) بأن تقرأ وتطلع قليلاً عن الاكتئاب وعلاجه، فإن هذا يُساعدك ويُساعد زوجتك على تجاوز هذه المرحلة التي أنتم فيها.

أدعو الله تعالى لها بتمام الصحة والعافية، ولك براحة الصدر والاطمئنان إلى علاقتكم الزوجية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً