الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فشلت في العودة إلى مستواي ولم يعد يهمني النجاح، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة في المرحلة الثانوية، مقبلة على امتحان البكالوريا بعد خمسة عشر يومًا، ولطالما كنت فتاة مُحبة للدراسة، متفوقة، ودائمًا ما أحتل المرتبة الأولى في صفي، لكن هذا العام كان الأسوأ في حياتي الدراسية، فقد فقدت الحماس تجاه المدرسة والدراسة، ولم أعد أشتاق إلى العودة المدرسية كما كنت في الأعوام السابقة، بل أصبحت أنفر من الدراسة ومن الأهل، وأميل إلى العزلة.

الناس جميعًا كانوا ينتظرون مني نتائج عالية كما اعتادوا، لكنني لا أدرس، ولا أستطيع أن أذاكر، وحاولت كثيرًا أن أعود كما كنت، أن أذاكر وأجتهد، لكنني أنسى ما أدرسه، ولا أستطيع الحفظ أو التركيز، ووصلت إلى مرحلة لم يعد يهمني فيها النجاح أو الرسوب.

أصبحت يداي ترتعشان، ووجهي يميل إلى الاصفرار، وبدني بات نحيلاً، بعدما كنت أتمتع بالوزن والجمال، ولم أعد أكترث بأي شيء، وكأن الحياة فقدت ألوانها ومعناها، غرقت في بحر من التفكير، عيوني زائغة، وقلبي ينبض بشدة، وكلما حاولت فتح كتاب يُرافقني خوف دائم لا يفارقني، وأشعر كأن الدنيا كلها ضدي، والأسوأ من ذلك أنني أرى في عيون زميلاتي فرحًا خفيًا بفشلي، وكأنني قد تنحيت من طريقهن، وتركني القدر خلفهن.

منذ خمسة عشر يومًا، صمتُ، ورفعتُ يدي إلى الله، ودعوته بحرقة أن يريني في المنام رؤيا ما هو دائي وما هو دوائي، ولكن لم أكن أنا من رأى الرؤيا، بل كانت أمي، رأت في منامها أنها تقول لأم صديقتي: "احلفي على المصحف أنك لم تفعلي شيئًا"، فلم تستطع المرأة أن تحلف، فشعرت أمي أنني قد أُصبت بسحر، فأتوني بالماء المرقي، لكني لم أشعر بتحسن، وأبي، مع الأسف، لا يؤمن بالرقاة، بل يغضب منهم، فتولّت أمي رقيتي بنفسها، لكنها لم تُؤتِ ثمارها.

لم يتبقَ على الامتحان إلا القليل، فحاولت أن أتواصل مع صديقاتي لنذاكر معًا، لكنني فوجئت بأنهن أغلقن الأبواب في وجهي، بل ينتظرن مني أن أُلحّ عليهن، وكأنهن يتلذذن بعزلتي.

قالت لي أمي: إن لم تحصلي على نتيجة مرتفعة، فسأريكِ الألم، وشعرت حينها أن الله أغلق أمامي أبواب الخلق جميعًا، ولم يبقَ إلا بابه سبحانه، وها أنا أطرقه، لعلّه يُفتح لي.

انعدمت الأسباب، وأصبح الرسوب هو الاحتمال الأقرب، لكنني مؤمنة أن الله هو المدبّر، وهو القادر، وقد جعل يدي تكتب قصتي هنا، بين أناس لا يعرفون من أنا، لكنني أحسست أن ما ستكتبونه لي هو رسالة من الله إليّ، وهداية من السماء.

أصبحت أخاف كثيرًا من كلام الناس إذا رسبت، ووضعت في رأسي سيناريوهات كثيرة لما سيُقال، وما سيحدث، ومع ذلك، افترضت بيني وبين نفسي أن الله ربما يريد لي أن أنجح العام القادم، كطالبة حرّة، دون ضجيج ولا عيون حاقدة، ليكون النجاح خالصًا لي، لا يشمت فيه من أراد لي الرسوب، والله أعلم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونوقن أن مَن كتبت هذه الأسطر ستنجح بتوفيقٍ من الله تبارك وتعالى، وأن الذي وهبك القدرات وأعانك على النجاح في مراحل التعليم الأولى؛ قادرٌ على أن يُعينك على النجاح والتفوق، وسعدنا بروح هذه الاستشارة التي فيها معاني التوكُّل على الله تبارك وتعالى، وإنْ تَصْدُقي الله يَصْدُقكِ.

أرجو أن تبني على انقطاع أسباب الأرض، وتوجّهي إلى خالق الأرض والسماء والأسباب، واعلمي أن لحظات الفرج تأتي بعد لحظات الكرب، والضياء يأتي بعد الظلام، والفجر يأتي بعد أشد لحظات الليل ظلمة وظلامًا، كذلك فرج الله تبارك وتعالى يأتي بمثل هذه الثقة في الله عز وجل، وشُكرًا للوالدة على اهتمامها وقراءة الرقية عليكِ، ونبشرك بأن دعاء الوالد ودعاء الوالدة هو الأقرب، وأن الرقية الشرعية من الوالدة هي الأكثر تأثيرًا؛ لأن دعوتها أقربُ للإجابة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على تجاوز هذه المرحلة، واحرصي على أن تُصلحي ما بينك وبين الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الإنسان عليه أن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب، وأن النجاح ليس بكثرة القراءة، ولكن بالتركيز فيها.

نرجو أن تأخذي بالأسباب، وهي:
1. الدعاء والتوجُّه إلى الله تبارك وتعالى.
2. كثرة الاستغفار.
3. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
4. تنظيم جدول للدراسة.
5. عدم الالتفات لما يقوله الناس، أو ما يحصل من الناس، أو ما ينتظره الناس، واشغلي نفسك بالتوجُّه إلى رب الناس، واعلمي أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبها ويُصرِّفُها.

لا نُؤيد فكرة التأجيل للعام القادم -أو كذا-، لكن عليك أن تقومي بما عليكِ، عليك أن تُؤدي ما عليك، وأن تُذاكري، وتدرسي، وتجتهدي، وتُعطي جسمك حظّه من الراحة، وحقه من الطعام، وتطلبي دعاء الوالد ودعاء الوالدة.

اعلمي أن الرقية الشرعية باستطاعتك أن تقومي بها أنت، أو أن تقوم بها الوالدة، أو يقوم بها الوالد، ولا مانع من الذهاب إلى الراقي الشرعي، ليُقيم الرقية على قواعدها الشرعية، ونسأل الله أن يُعينك على تجاوز هذا الموقف، واعلمي أن الحياة محطات، وأن العباقرة والفضلاء والعقلاء يستفيدون من تجاربهم ومواقفهم.

عليك أن تعلمي أن هذا الكون مِلْكٌ لله، ولن يحدث فيه إلَّا ما أراده الله، وأن الناس لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، وأن الساحر ومَن معه من الشياطين لا يستطيعون شيئًا إلَّا بإذن الله، وكيد الشيطان ضعيف، قال العظيم سبحانه وتعالى عن الساحر: (ولا يُفلح الساحر حيث أتى)، وقال العظيم سبحانه وتعالى عن الشيطان: (إن كيد الشيطان كان ضعيفًا)، وقال: (وما هم بضارين به من أحدٍ إلَّا بإذن الله)، وقال: (وليس بضارهم شيئًا إلّا بإذن الله)، وما يُقدّره الله الذي يحدث، وما يُقدّره الله هو الخير، فقومي بما عليك، وكوني راضية بما يُقدّره القدير. ولكن نود أن نلفت عنايتك إلى أنه لا ينبغي أن تبني على الرؤيا المنامية أحكامًا، ولا تسيئي الظن بالآخرين بمجرد ما ترينه أو تراه والدتك في النوم؛ فقد يكون حديث نفس، وقد يكون حلمًا من الشيطان، ليوقعك في الوهم، ويفسد علاقتك بالآخرين، فانتبهي لذلك!

ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً