الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتوتر إذا جلست مع الناس، وأشعر أنهم يراقبونني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا دائمًا ما أتجنب الجلوس مع أفراد عائلتي، سواء إذا زارونا أو اضطررت إلى زيارتهم، بل إني أحاول عدم الاحتكاك بأي فرد من عائلتي أو شخص غريب، لأنني أتوتر ويضيق صدري عند الاجتماع بأفراد العائلة أو أشخاص آخرين، وأبقى صامتًا طوال الوقت، وهو ما لا أحبه أيضًا؛ لأن البعض يعلق على صمتي.

ربما هو خوف؛ أخاف أن أُحرج أمامهم، كما أني أحس أنهم دائمًا يراقبونني، فأشعر بتوتر شديد ويضيق صدري، مع ذلك أحاول فتح مواضيع مع الناس، لكنه ليس بالأمر الهين، لأنني أكافح لأفعل ما أريد وما لا تهواه نفسي، هناك تناقض بين ما أريد وما تفرضه عليّ نفسيتي أو مرضي، فدائمًا ما أحاول أن أثبت أنه لا أحد يراقبني وأن هذه مجرد أفكار، لكن بدون فائدة أو نتيجة ملحوظة.

لا أخرج من المنزل كثيرًا إلا للضرورة، ففكرة مراقبة الناس لي تراودني في كل خطوة في حياتي. فأنا الآن أشتغل وأدرس في نفس الوقت، ففي مكان عملي هناك كاميرات مراقبة، وأحس أيضًا بمراقبتهم لي.

عندما أخرج إلى الشارع أشعر بمراقبة الناس لي، فأتوتر، فتصبح مشيتي غير عادية، أو هذا ما أشعر به. فأشعر بمراقبة الناس لمشيتي، فيزداد توتري وأحاول أن أصلح مشيتي، فيزداد الأمر سوءًا فأحس أن مشيتي غير طبيعية.

أحاول جاهدًا أن أثبت لعقلي ونفسي أنه لا أحد يراقبني، فأحس أني أمشي طبيعيًا، فأرتاح نفسيًا، لكن في ظرف ثوانٍ معدودة تعود فكرة مراقبة الناس لي، فأتوتر من جديد ويعاد نفس السيناريو.

في بعض المرات أخرج فيها من المنزل بثقة عالية وأمشي طبيعيًا، ولا أكترث لمراقبة الناس، لكن هذا يحدث تلقائيًا ونادرًا ما يحدث، وفيه أشعر بسعادة كبيرة وراحة نفسية لا تُصدق، لكن كنت أتمنى لو أبقى في تلك الحالة دائمًا، إلا أنه نادرًا ما يحدث.

أُتيحت لي العديد من الفرص ليكون لي مستقبل أفضل، لكن لا أستغلها، لأن فيها ملاقاة الناس والاجتماع بهم، وشيء في داخلي يمنعني ويشعرني بالخوف والتهرب من لقاء الناس.

وفي الحقيقة لست متأكدًا من أنه خوف أم لا، لكني أشعر بالتوتر والضيق عندما أكون بجوار أفراد العائلة أو أشخاص آخرين، وأحاول جاهدًا أن أبتعد عن أي موقف اجتماعي مما يخلق لي مشاكل، بينما إذا كنت وحيدًا أشعر براحة نفسية واطمئنان داخلي، لكني لا أحب أن أكون هكذا، لأنني لم أختر أن أكون منعزلًا عن البشر، بل شيء في داخلي هو الذي فرضه عليّ.

أنا لا أصلي في المسجد بسبب هذا المرض، إلا إذا كنت مع صديقي في الشارع فإني أذهب بدون مشكلة، لكن إذا كنت وحدي في المنزل فلا أقدر أن أذهب للمسجد، مع أني أحب الصلاة في المسجد، وأرغب كثيرًا أن أواظب على الصلاة في المسجد، لكن ليس بيدي حيلة، ففي بعض المرات أفتح الباب وأحاول أن أذهب للمسجد، لكن أعود وأصلي في المنزل.

عندما أذاهب للشارع لأشتري شيئًا للمنزل أو غيره، نادرًا ما أذهب مشيًا، فأنا دائمًا أستعمل دراجتي، لأنني أفكر أنه على الأقل لن يلاحظ الناس مشيتي، ولكن الإحساس بمراقبتهم لي لا يفارقني أبدًا، أرغب دائمًا أن أبقى في المنزل، مع أني أحب الخروج.

أظن أنني أعاني أيضًا من نقص الثقة في النفس، بل قطعًا، لأنني في أغلب الأحيان أرى الغير أفضل مني، وأنا أقل منه، وأشياء أخرى لها علاقة بالثقة بالنفس، وأنتم المختصون، فأرجوكم أفيدوني.

كما قلت سابقًا: لا أستطيع حتى أن أصف مقدار المعاناة بسبب هذا المرض، فقد سبب لي فشلًا في حياتي ودراستي، حتى أنه سبب مشاكل مع عائلتي، إذ أن أغلبهم صاروا ينفرون مني لأنني لا أتواصل معهم، وحتى عندما يأتون للمنزل، غالبًا ما أبقى صامتًا، وإن تكلمت فإني أتكلم لثوانٍ بشق الأنفس وبتوتر، وأبقى صامتًا لساعات.

أرجوكم، أرجوكم أفيدوني، جزاكم الله خيرًا، فقد مللت حقًّا من هذا المرض، وأبحث عن السعادة التي أريد الشعور بها -إن شاء الله- إن شفيت منه، فكلمة سعادة قليلة جدًا لوصف ما سأشعر به، وأشكركم كثيرًا على هذا الموقع، جعله الله في ميزان حسناتكم.

والسلام عليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهدي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، في أول مشاركاتك، ورسالتك رسالة ممتازة، ونحن سعداء أنك قد تواصلت معنا، لأننا بالفعل يمكننا -وبفضل من الله تعالى- أن نساعد شخصك الكريم.

أخي الفاضل: نحن نهتم جدًا بدقة التشخيص، وحسب ما هو متاح من معلومات أوردتها لنا بوضوح شديد، أقول لك: بالفعل لديك شخصية حساسة، لديك شخصية تجنبية، لديك جوانب وسواسية، ولديك أيضًا درجة من الشكوك الظنانية. هذه هي المحاور والمكونات الرئيسية لتشخيص حالتك، وهذه الحالات يمكن أن تُعالج وتُعالج بصورة ممتازة.

أول العلاجات هو العلاج الدوائي، ومعه العلاج السلوكي والعلاج الاجتماعي والعلاج الإسلامي. هذه يجب أن تأخذها مع بعضها البعض. العلاج الدوائي أنت محتاج لأحد الأدوية المضادة للمخاوف والوساوس والتجنب، ومحتاج أيضًا لأحد الأدوية المضادة للشكوك والظنان.

في النطاق السلوكي يجب أن تحتقر هذه الأفكار، هذه كلها أفكار سلبية، أفكار ليست صحيحة ولا تدخل في حوارات ونقاشات كثيرة مع نفسك، إنما احتقر الفكرة وابنِ فكرة مضادة لها، وحاول أن تلتزم بالفكرة المضادة، لأنها الأفضل وهي الأصح.

أمَّا عن النطاق الاجتماعي فأول ما تذهب إليه هو أن تصلي في المسجد. الصلاة في المسجد فيها أجر عظيم، وفي ذات الوقت المسجد هو مكان الأمان، وكل الذين يأتون للمساجد قطعًا لا يحملون شرورًا أو ظنانًا أو تأويلات سلبية نحو الآخرين.

عليك أن تغير مفهومك واذهب وطبق، وفي ذات الوقت يجب أن يكون لديك برامج يومية من الخروج من المنزل، زيارة الجيران، المشاركة في المناسبات، الذهاب للترفيه عن النفس بما هو طيب وجميل، تلزم نفسك إلزامًا تامًا بهذه البرامج، ويا حبذا أيضًا لو مارست أي نوع من الرياضة الجماعية، مثل لعب كرة القدم، مثلاً فيها نواحٍ تفاعلية سلوكية عظيمة جدًا، ولا بد أن يكون لك خطط نحو المستقبل.

ما الذي تريد أن تقوم به، كيف تستطيع أن تصل إلى إنجازاتك، هذا شيء مطلوب. ومن الناحية الإسلامية كما ذكرنا لك الصلاة، زيارة الأرحام، التواصل الاجتماعي، ويا حبذا لو اشتركت في حلقة لتلاوة القرآن الكريم. هذه الحلق فيها خير عظيم، خير الدنيا والآخرة، ومن الناحية العلاجية سوف تكون مفيدة جدًا بالنسبة لك.

أيها الفاضل الكريم: ارجع مرة أخرى للعلاج الدوائي، فهو مهم، وأنا أعتقد أنه سيكون من المفيد جدًا لك، إذا ذهبت وقابلت الطبيب النفسي، والأطباء النفسيون في المغرب كُثر، والمتابعة مع الطبيب ستدعم العلاج السلوكي والاجتماعي الذي ذكرته لك، وفي ذات الوقت سيصف لك الطبيب الدواء، من الأدوية الممتازة، وهذا مجرد مقترح وليس إلزامًا وأنت لم توضح عمرك، لكن أحسب أنك بعمر أكثر من 20 عامًا، وبعد سن العشرين نحن لا نتخوف أبدًا من سلامة الأدوية.

الدواء الأول يعرف باسم (Seroxat CR - سيروكسات سي آر)، ويسمى علميًا (Paroxetine - باروكسيتين). الجرعة التي تحتاجها هي 12.5 مليجرامًا يوميًا لمدة شهر، ثم ترفع إلى 25 مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفضها إلى 12.5 مليجرام يوميًا لمدة 6 أشهر ثم 12.5 مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم 12.5 مليجرامًا مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر آخر، وهو دواء سليم وفاعل.

أمَّا الدواء الآخر فيعرف باسم (Risperidone - ريسبيريدون،) والجرعة هي 1 مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم ترفع إلى 2 مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم 1 مليجرام ليلاً لمدة 6 أشهر، ثم تتوقف عن تناوله، أيضًا هو دواء رائع وممتاز جدًّا.

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً