الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد ولادة طفلتي أصابتني مخاوف عديدة، فما الأسباب والعلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا امرأة في السادسة والعشرين من العمر، ولي ابنتان، ومنذ سنة -بعد ولادة ابنتي الثانية بشهر ونصف- أعاني من مرضٍ بدأ في أول مرة بنوبةٍ وأنا في السيارة مع زوجي، وشعرت بشيءٍ داخلي يصعد من قدمي إلى أعلى جسدي لا أستطيع وصفه، وظننت أن أجلي قد حضر، وأنه الموت.

وكنتُ أحسُّ بمذاقٍ غريبٍ في فمي، وكأنَّ النفسَ الذي أستنشقه لا يصل إلى جوفي إلَّا بمشقةٍ شديدة، وكذلك كأنَّ في بلعومي من الجهة اليسرى شيئًا، لا أستطيع إدخاله، ولا إخراجه، وبدأتُ أرتعدُ، وقلبي يخفق بسرعةٍ شديدة، وأسرعنا إلى المستشفى، وبعد الفحص والنظر قالوا: القلب سليم والرئة سليمة، ولا شيء في البلعوم. لم يظهر عندهم أيُّ مرض.

ثم أتتني النوبة بعد ثلاثة أشهر مرة أخرى بهذه الشدة، وبعد ذلك أصبحتُ أعيش في الأعراض الآتية: تأتيني بين الحين والآخر، وتختلف في المدة والشدة: مذاق غريب في الفم، وخوف، وخفقان في القلب، وتنميل في الأطراف والرأس، لا أستطيع البقاء في البيت وحدي، والخوف من الموت، ودائمًا أفكر عند الذهاب إلى الناس، وأتساءل: هل المستشفى قريب من هذا المكان؟ وأخاف الخروج وحدي، وأفكر في مرضٍ خطير.

أرجو ممن يقرأ هذه الرسالة ولديه علمٌ بالأمر النصيحة والتوجيه، والإخبار عن هذه الأعراض، وما قد تكون في أقرب وقت؛ فقد أعياني وأتعبني الذهاب إلى الأطباء والفحوصات.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن رسالتك واضحة جدًّا، وأستطيع أن أقول لك: إن الحالة التي وصفتها يمكن أن تفسر على وجود احتمالين – هذا من الناحية التشخيصية -:

الاحتمال الأول –وهو الأقوى–: أن الذي حدث لك هو ما نسميه بنوبة الهلع أو الهرع أو الاضطراب الفزعي، وهو نوع من القلق النفسي الحاد الذي يأتي في شكل أعراض جسدية وأعراض نفسية.

الأعراض الجسدية قد تكون هي الأعم، منها: سرعة خفقان القلب، الشعور بالضيقة، الانشدادات العضلية، التنميل، والشعور بدنو الأجل كما ذكرتِ، هذه هي السمات الرئيسية جدًّا لنوبات الهلع أو الهرع، وهي كثيرًا ما تكون دون أي مقدمات.

والذي يحدث هو هذه العملية الفسيولوجية السريعة، والتي من خلالها تفرز مادة الأدرينالين بكثرة، والأدرينالين يفرز كنوع من الاستجابات الداخلية، خاصة استجابة الخوف، وبعد أن يفرز ويبدأ القلب في التسارع يحدث المزيد من الخوف للإنسان، وهكذا يدخل الإنسان في دائرة مغلقة ما بين أعراضه الفسيولوجية، وزيادة إفراز الأدرينالين الذي يؤدي إلى المزيد من هذه الأعراض الفسيولوجية.

إذًا الاحتمال الأكبر هو أن هذه هي الحالة التي تعانين منها، وهي حالة منتشرة جدًّا ونشاهدها كثيرًا في العيادات، ومعظم الذين يعانون من هذه الحالة تجدهم يتنقلون من طبيب إلى طبيب، ويذهبون إلى أطباء القلب وهكذا، وفي نهاية الأمر يتم تحويلهم إلى الطبيب النفسي؛ لأن الحالة نفسية في المقام الأول.

الاحتمال الثاني: هو أنه لديك بعض الاضطراب في كهرباء الدماغ، خاصة في منطقة تسمى بالفص الصدغي، وأهم عرض ذكرته في هذه الرسالة قد يشير إلى هذا التشخيص، وهو المذاق الغريب في الفم، وهذا لم أجد له أي تفسير غير وجود اضطراب بسيط في الفص الصدغي، وأرجو أن لا تنزعجي لهذه المسميات، هذه حالات أيضًا موجودة، قد يصعب تشخيصها، ولكن الطبيب الذي ينتبه لها سوف يصل إلى الحقيقة -إن شاء الله-.

المطلوب الآن هو أن تذهبي إلى طبيب مختص في أمراض الأعصاب ليقوم بإجراء تخطيط للدماغ، وتخطيط الدماغ يعكس كهرباء الدماغ ومساراته، وإذا اتضح أنه يوجد هنالك أي نوع من الزيادة في هذه الكهرباء إذا كانت ناشئة من بؤرة معينة في الدماغ فسوف يتم العلاج -إن شاء الله-، وهنالك عدة أدوية تنظم هذا الاضطراب الكهربائي في الدماغ، هذا هو الأمر الأول الذي أريد أن أوصي به.

والأمر الثاني هو: إذا اتضح أن كل الفحوصات – خاصة تخطيط الدماغ – سليم، ففي هذه الحالة يجب أن تعالج الحالة كحالة نوبة هرع، ومن أفضل سبل علاجها هو أن تتناولي أحد الأدوية التي أثبتت فعاليتها في هذا الخصوص.

الدواء يعرف تجاريًا باسم (سبرالكس، cipralex) ويعرف علميًا باسم (استالوبرام، escitalopram)، وهو متوفر في هولندا، جرعة البداية لهذا الدواء هي 10 مليجرامات ليلاً، يفضل تناولها بعد الأكل، وتستمرين عليها لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى 20 مليجرامًا، وتستمرين عليها لمدة أربعة أشهر، ثم تخفض إلى 10 مليجرامات يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم تخفض إلى 5 مليجرامات يوميًا لمدة شهر، ثم توقفي عن تناولها، هذا الدواء من الأدوية الفعالة والسليمة والممتازة جدًّا.

بجانب العلاج الدوائي أنصحك بأن تمارسي الرياضة، وتمارسي ما يعرف بتمارين الاسترخاء، خاصة تمارين التنفس التدرجي، ولتطبيق هذا التمرين البسيط يمكنك القيام بالآتي:
- الاستلقاء على السرير أو الجلوس على كرسي مريح في غرفة هادئة.
- غمض العينين والتأمُّل في حدث سعيد وجميل حدث لك في حياتك.
- خذي نفسًا عميقًا وبطيئًا عن طريق الأنف، ويجب أن يكون النفس عميقًا نابعًا من الحجاب الحاجز.
- مسك أو حبس الهواء قليلاً في صدرك، ثم إخراجه عن طريق الفم، ويجب أن يكون إخراجه أيضًا ببطء وبقوة وعمق.
- تكرار هذا التمرين 5 مرات متتالية صباحًا ومساءً، لمدة أسبوعين، ثم بمعدل مرة واحدة في المساء لمدة أسبوعين أيضًا، ثم يمكنك ممارسته عند اللزوم.

ومن أهم الأشياء التي تزيل الهرع هو أن يتفهم الإنسان أن هذه الحالة بالرغم مما تسببه من إزعاج وتوتر نفسي إلا إنها مجرد قلق وليس أكثر من ذلك، وهنا يتساءل الإنسان مع نفسه: لماذا أقلق؟ ما الذي يجعلني أقلق؟ ويكون إيجابيًا في تفكيره، وهذا -إن شاء الله- يجهض هذه النوبات.

نسأل الله لك العافية والشفاء، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً